فصل: 67 الآية السادسة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.67 الآية السادسة منها:

قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه} الأعراف: 59.
وقال في سورة هود 25: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه}.
وفي سورة المؤمنين23: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه}.
للسائل ان يسأل عن حذف الواو من {لقد أرسلنا} في سورة الأعراف، والإتيان بها في سورتي هود والمؤمنين؟
والجواب أن يقال إن الآيات التي تقدمت قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه} في سورة الأعراف إلى أن اتصلت به في وصف ما اختص الله عز وجل به من أحداث خلقه وبدائع فعله من حيث قال: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام} الأعراف: 54 إلى ذكر الشمس والقمر، والرياح والأمطار والنبات، والسهل من الأرض والطيب، والحزن منها والصلد، ولم يكن فيها ذكر بعثة نبي ومخالفة من كان له من عدو، فصار كالأجنبي من الأول فلم يعطف عليه، واستؤنف ابتداء كلام ليدل على أنه في حكم المنقطع من الأول.
وليس كذلك الآية التي في سورة هود، لأن أولها افتتح إلى أن انتهى إلى قصة نوح بما هو احتاج على الكفار بآيات الله التي أظهرها على أيدي أنبيائه، وألسنتهم صلوات الله عليهم، وتوعد لهم على كفرهم، وذكر قصة من قصص من تقدمهم من الأنبياء الذين جحد بآياتهم أممهم، فعطفت هذه الآية على ما قبلها إذ كانت مثلها ألا ترى أن أول السورة: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير* ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} هود: 1-2 وبعد العشر منها: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز} إلى قوله: {قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} هود 12-13، ثم وصف حال من آمن بالله ورسله، وأخبت إلى ربه، وحال من افترى على ربه، وحصل على خسران نفسه وشبههما بحال من انطوى على ذكره في قوله: {مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا} هود 24 فاقتضى تشابه القصتين عطف الثانية على الأولى.
وأما في سورة المؤمنين فإن قبل هذه الآية منها: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} المؤمنون: 12 ثم قوله: {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين} المؤمنون: 17 ثم انقطعت الآي إلى قوله: {وعليها وعلى الفلك تحملون} المؤمنون: 22، فكان ما تقدم في هذا المكان مثل ما تقدم الآية في سورة الأعراف إلا أنه باينة بأن كان فيه: {ولقد خلقنا الإنسان} وقوله: {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} ثم انقطعت إلى قوله: {وعليهما وعلى الفلك تحملون} والفلك التي يحمل عليها مما اتخذه نوح عليه السلام، فدخلت واو العطف في قصة نوح عليه السلام للفظين المتقدمين، وهما: {ولقد} في رؤوس الآيتين، وللمعنى المقتضى من ذكر الفلك الذي نجى الله عليه من جعله أصل الخلق وبذر هذا النسل.

.68 الآية السابعة منها:

قوله تعالى متصلا بقوله: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} الأعراف: 59.
وقال في سورة هود 25-26: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين *فقال ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم}.
وقال في سورة المؤمنين23: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون}.
للسائل أن يسأل عن اختلاف المحكيات كقوله بعد: {مالكم من إله غيره}: {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} وقال في سورة هود: {إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} وفي المؤمنين: {ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} والقصة قصة واحدة؟
والجواب أن يقال: إن للأنبياء صلوات الله عليهم مقامات مع أممهم يكرر فيها الإعذار والإنذار، ويرجع فيها عودا على بدء، الوعد والوعيد، ولا يكون دعاؤهم إلى الإيمان بالله، ورفض عبادة ما سوى الله تعالى في موقف واحد بلفظ واحد لا يتغير عن حاله، مثل الواعظ يفتن في مقاله، والجاحد المنكر تختلف أجوبته في مواقفه، جاءت المحكيات على اختلافها لم يطالب، وقد اختلفت في الأصل باتفاقها، لأنه قال لهم مرة باللفظ الذي حكى، ومرة أخرى بلفظ آخر في معناه كما ذكر.
وكذلك الجواب يرد من اقوام يكثر عددهم ويختلف كلامهم ومفصدهم، وصدق الخبر يتناول الشيء على ما كان عليه، فلا وجه إذا للاعتراض على هذا ونحوه.

.69 الآية الثامنة منها:

متصلة بهذه الآية قوله تعالى: {قال من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين} الأعراف: 60-61.
وقال في سورة هود: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا}.
وقال في سورة المؤمنين: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم} الآية.
للسائل أن يسأل فيقول: لأي معنى خلت قال في سورة الأعراف من الفاء وقد جاء مثلها في السورتين بالفاء وهو فقال؟
والجواب أن يقال: إن الموضعين اللذين دخلتهما الفاء ما بعدهما مما اقتضاه كلام النبي مما رآه الكفار جوابا له، فكان بناء الجواب على الابتداء يوجب دخول الفاء.
وليس كذلك الآية في سورة الأعراف، لأنهم في جوابهم صاروا كالمبتدئين له بالخطاب، غير سالكين طريق الجواب، لأنهم قالوا: {إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة} الأعراف: 60-61 فكان كلامهم له كالكلام الذ يبتدئ به الإنسان صاحبه، فلذلك جاء بغير فاء مخالفا طريقة ما الكلام بعده مبني بناء الجواب.
ومما أخرج من الأجوبة مخرج الابتداء بالكلام وإن كان في ضمنه الجواب قوله تعالى: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله لا امرأته كانت من الغابرين} العنكبوت: 31-32. فلم يأت بالفاء في اللفظتين اللذين كان ما بعد كل واحد منهما كالجواب لما قبله.
ومما يؤكد صحة هذا القول قوله تعالى فيما كان من جواب عاد لهوج: {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين}. الأعراف 65-66، ولم يقل: فقال الكلأ لأن ما بعد قال هنا مسلوك به طريق الابتداء بالخطاب، إذ رمي بالسفاهة كما رمي نوح-عليه السلام- بالضلالة، فلم تدخل على واحد منهما الفاء التي تجعل الثاني متعلقا بالأول تعلق الجواب بالابتداء.

.70 الآية التاسعة منها:

قوله تعالى: {أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون} الأعراف: 62.
وقال في قصة هود: {أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ضريح ناصح أمين} الأعراف: 68.
للسائل أن يسأل عن الفرق بين قوله: {وأنصح لكم} وبين قوله: {وأنا لكم ناصح أمين} وما الذي اقتضى الاسم في الآخر والفعل في الأول، وهل كان يصح أحدهما مكان صاحبه؟
والجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما أن يقال: إن المعنى كلام نوح عليه السلام ما نطق به القرآن، ومعنى كلام هود عليه السلام ما ذكره الله تعالى حاكيا عنه، وليس لقائل أن يقول: إذ كان القولان صحيحين في موضعهما فهلا قال أحدهما قول آخر؟
والوجه الثاني أن يقال: إن قول نوح عليه السلام جواب من ضلل، لأنه قيل له: {إنا لنراك في ضلال مبين}، الأعراف: 60 وهود عليه السلام قيل له: {إنا لنراك في سفاهة}. الأعراف: 66.
والضلال من صفات الفعل، تقول ضل فهو ضال، والسفاهة من صفات النفس وهي ضد الحلم، وهو معنى ثابت يولد الخفة، والعجلة المذمومتين، والحلم معنى ثابت يولد الأناة المحمودة، فكان جواب من عيب بفعل مذموم نفيه بفعل محمود، لا بل بأفعال تنفي ما ادعوه عليه، وهي أن قال لست ضالا ولكني رسول من رب العالمين أؤدي إليكم ما تحملت من أوامره، وأدعوكم بإخلاص إلى إصلاح أمركم، وأعلم من سوء عاقبة ما أنتم عليه ما لا تعلمون فنفى الضلال بهذه الأفعال.
وهود عليه السلام لما رمي بالسفاهة وهي من الخصال المذمومة الثابتة، وليست من الأفعال التي ينتقل الإنسان عنها إلى أضدادها في الزمن القصير مرارا كثيرة، فكان نفيها بصفات ثابتة تبطلها أولى، كما كان نفي الفعل المذموم بالفعل المحمود أولى.
فقوله: {وأنا لكم ناصح أمين} أي أنا ثابت لكم على النصح ثقة في النفس، لا أنتقل من النصح إلى الغش، ولا أتبدل خيانة بالأمانة وكان جواب كل من الكلامين ما لاق به واقتضاه.

.71 الآية العاشرة منها:

قوله تعالى: {فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذي كذبوا بآتنا إنهم كانواقوما عمين} الأعراف: 64.
وقال في سورة يونس 73: {فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فنظر كيف كان عاقبة المنذرين}.
للسائل أن يسأل فيقول: لم اختصت الآية الأولى بقوله: {فأنجيناه والذين معه} والثانية بقوله: {فنجيناه ومن معه} وزاد فيها {وجعلناهم خلائف}؟
والجواب أن يقال: السورتان مكيتان جميعا، إلا الآية في سورة الأعراف، وقوله: {أنجينا} أصل في هذا الباب، لأن أفعلت في باب النقل أصل ل فعلت وهو أكثر، تقول: نجا، وأنجيته كما تقول: ذهب وأذهبته، ودخل وأدخلته.
فأما فلته فمن القلة، بحيث يمكن عده، نحو فزع وفزعته وخاف وخوفته وقد يجاء معه الهمزة فيقال: أفزعته وأخفته، ولا يجاء مع تشديد العين الهمزة ولا تقول: ذهبته، ودخلته في أذهبته، وأدخلته.
فالآية الأولى جاءت على الأصل الأكثر، ولهذا أكثر ما جاء في القرآن جاء على أنجيناه كقوله تعالى: {فأنجيناه والذين معه برحمة منا} الأعراف: 72 وكقوله: {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين} الشعراء: 65، وكقوله: {فأنجاه الله من النار} العنكبوت: 24.
وليست الجيم المزيدة المشددة في {نجيناه} للكثرة، وإنما هي المعاقبة للهمزة بدلالة قوله تعالى في ذي النون: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم} الأنبياء: 88 ولا كثرة هناك.
وأما قوله: {والذين معه في الفلك} فهو الأصل، ومن تجيء بمعناها، وتكونان مشتركتين في معان والذين خالصة للخبر، مخصوصة بالصلة، فاستعمل الأصل في اللفظين، وهما: أنجينا والذين.
ولما كرر هذا الذكر كان العدول إلى اللفظين الآخرين اللذين هما معناهما، وهما: نجينا ومن أشبه بطريقة الفصحاء وعادة البلغاء.
وأما قوله: {وجعلناهم خلائف} في الآية الثانية فإنه زيادة في الخبر عن أحوال الذين نجوا من الغرق فصاروا خلفاء للهالكين. وقيل: كانوا ثمانين نفسا، وهلك سائر أهل الأرض.
فإن قال قائل: كان الإراق قبل أن جعلوا خلائف، فكيف قدم عليه؟
قلنا: جوز أن يكون معنى {وجعلناهم خلائف} وإنما قدم لأنه من صفة الذين أجاهم، فلما أخبر عنهم بذلك ضم إليه الخبر الثاني، ويجوز أن يكون معنى {وجعلناهم خلائف} أي حكمنا لهم بذلك، ثم كان الإغراق بعده على أن الواو لا ترتيب فيها، ولا يمتنع أن يكون المذكور بعدها مقدما على ما قبلها.